الدرس : [22] : باب : الحقوق المتعلقة بالتركة
[ باب : الحقوق المتعلقة بالتركة ]
[ هل الحقوق تورث كالأموال أم لا ؟؟ ]
ذهب مالك والشافعي إلى أن الحقوق تورث كالأموال وذهب أبو حنيفة وأحمد إلى أن الذي يورث هو المال فقط دون الحقوق .
وفائدة ذلك توجد في مسائل هل يثبت خيار المجلس وخيار الشرط للورثة أم لا ؟؟
هل تثبت الشفعة للورثة أم لا ؟؟
على أنه هناك حقوق وخيارات لا تورث فمثلا من وكل رجلا في طلاق امرأته متى شاء فمتى مات هذا الرجل لم يكن لورثته الخيار في طلاق هذه المرأة .
وقد أجاد ابن رشد في بداية المجتهد في بيان محل النزاع في كتاب الخيار .
والسؤال الآن ما هو ضابط الحقوق التي تورث كالأموال وما الحقوق التي لا تورث ؟؟
أم أن الحقوق لا تورث أصلا ؟؟
وماذا لو تنازع الورثة في الخيار فأجاز بعضهم البيع وأجاز بعضهم الفسخ ؟؟
وفيما يلي نبذة مختصرة عن البحث أتبع فيه ما يلي :
التعريف الموجز بالخيار ومن ثم حكمه بعد موت صاحب الخيار هل يورث أو لا يورث ؟.
1- حق القصاص :
القصاص شرعا : قال الجرجاني: "القصاص هو أن يُفعل بالفاعل مثل ما فعل".
حكم توارثه : القصاص يورث على قدر الميراث، وذلك لأن الذين لهم حق في القصاص هم الورثة، فننظر من هم ورثة المقتول، فورثته هم أولياء الدم، فإذا عفا أحدهم عن القاتل أسقط الحق في القصاص وعتق القاتل فلم يقتص منه، وهذا هو قول جمهور العلماء.
وقد جاء في سنن أبي داود وغيره: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : " وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ : إِنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا ، وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الدِّيَةَ " ,) قوله: (فأهله) يعني: ورثته؛ لأن الأهل هم الورثة.
وفي مصنف عبد الرزاق بإسناد صحيح أن عمر رضي الله عنه أتي برجل قد قتل آخر، فعفت زوجة المقتول، وكانت أختاً للقاتل، فقال عمر رضي الله عنه : الله أكبر قد عتق القتيل، وهذا الأثر إسناده صحيح، وبه قال الجمهور.
إذا عفا أحد الورثة سقط القصاص، فلو كان ورثة الدم عشرة، فأسقط واحد من هؤلاء العشرة القصاص؛ فإن الدم يعصم، ولا يقتل هذا القاتل؛ لأن القصاص لا يتبعض، فإذا عفا بعضهم سقط حق بقيتهم في القصاص.
2- حق الشفعة :
حكم توارثه : اختلف العلماء - رحمهم الله تعالى- في جواز شفعة الوارث من عدمه تبعًا لاختلافهم فِي متعلق حق الشفعة هل هو متعلق بالملك فيورث أم بالمالك فيمتنع إرثه لموت صاحبه وقد تحصل من اختلافهم فِي المسألة ثلاثة أقوال .
أحدها : إذا لم يأخذها الشفيع قبل موته فلا يجوز لوارثه أخذها مطلقًا سواء طالب بها مورثه أم لم يطالب بها . لأن سبب أخذه الشفعة زال بموته وهو الملك ، وقيام السبب إلى وقت الأخذ شرط لثبوت الحق فِي ذلك وقد قال بهذا القول جمهور أهل الرأي مثل الحنابلة و الأحناف . وروي بسقوطه بالموت عن الحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي وبه قال الثوري وإسحاق وأصحاب الرأي .
الحال الثاني : إذا طالب بالشفعة ثم مات فإن حق الشفعة ينتقل إلى الورثة قولاً واحدًا ، ذكره أبو الخطاب ونص أحمد عليه ، لأن الحق يتقرر بالطلب ولذلك لا يسقط بتأخير الأخذ بعده وقبله يسقط .
فإذا ثبت هذا فإن الحق ينتقل إلى جميع الورثة على حسب مواريثهم ، لأنه حق مالي موروث فينتقل إلى جميعهم كسائر الحقوق المالية . أ هـ .
القول الثالث : ثبوت الشفعة للورثة إذا مات مورثهم قبل العفو والأخذ لكون الشفعة حقًا متعلقًا بالملك الموروث فهي حق من حقوقه ، وقد قال بهذا القول مالك والشافعي والعنبري وغيرهم .
3 - حق الارتفاق :
أنواع حقوق الارتفاق :
اختلفت الآراء في تعداد حقوق الارتفاق بين مضيّق وموسّع في الشريعة أو القوانين الوضعية. فذهب الحنفية إلى أنه ستة فقط هي:
1 ـ الشرب : وهو النصيب المستحق من ماء الأنهار والسواقي العامة، لسقي الأرض والزرع.
2 ـ الطريق : وهو حق صاحب عقار داخلي بالوصول إلى عقاره من طريق يمرّ عبر عقار مملوك للغير.
3 ـ المجرى :وهو حق صاحب الأرض البعيدة عن مجرى الماء في إجرائه عبر ملك جاره إلى أرضه ليسقيها.
4 ـ المسيل :وهو مجرى على سطح الأرض، أو أنابيب تنشأ في جوف الأرض أو على سطحها، لتصريف المياه الزائدة عن الحاجة عبر عقارات الجوار حتى تصل إلى مصرف عام.
والفرق بين المسيل والمجرى أن المجرى لجلب المياه الصالحة للأرض، والمسيل لصرف المياه الزائدة وغير الصالحة عن الأرض أو الدار.
5 ـ التعلي :وهو حق صاحب العقار الأعلى في القرار على العقار الأسفل كما هو الحال في الأبنية الطابقية.
6 ـ الجوار : وهو الحق الثابت لكل من الجارين على الآخر.
ويرى الحنفية أنه لا يجوز إِنشاء أي حقوق ارتفاق أخرى غير هذه الحقوق الستة. لأن في إِنشائها تقييداً للملكية التامة.
والأصل فيها أنها لا تقبل التقييد. وما قيدت بتلك الحقوق الستة إِلا استثناءً وبحكم الضرورة. ولا يُتوسع في الاستثناء، لأن الضرورة تقدّر بقدرها.
وذهب آخرون - وفيهم المالكية - إِلى أنها غير محصورة في الأنواع المذكورة آنفاً، فيجوز إِنشاء حقوق ارتفاق أخرى بالإرادة والالتزام. كأن يقرر شخص على أرض يملكها ألا يقيم على ناحية منها ملاصقة لأرض أخرى بناء، أو ألا يرتفع ببنائه أكثر من حدٍ معين.
وبهذا الرأي الأخير أخذت معظم القوانين المدنية المعاصرة كالقانون الفرنسي، واللبناني، والسوري، وغيرها.
وقد اشترطت هذه القوانين أن تكون حقوق الارتفاق المنشأة اتفاقاً، للعقار أو عليه، لا للشخص المالك أو عليه. كما اشترطت ألا تكون هذه الحقوق مخالفة للنظام العام.
حكم توارثه :
- أن حق الارتفاق حق مؤبد ودائم لا يزول إلا بزوال العقار نفسه .
- أن حق الارتفاق يورث بلا خلاف بين الفقهاء ، لأنه تابع للعقار.
- حق الارتفاق يورث حتى عند الحنفية الذين لا يعدونه مالاً؛ لأنه تابع للعقار.
4- المنفعة :
وفي الاصطلاح : كل ما يقوم بالأعيان من أعراض، وما ينتج عنها من غلة كسكن الدار، وأجرتها، وثمرة البستان، ولبن الدابة .
المنفعة لا تملك إلا بأسباب خاصة، هي : الإجارة، والإعارة، والوصية ..؟
أدلة الجمهور : في اعتبار المنفعة مالا : وعندهم المنافع تورث .
الأول : أن المنافع على الأعيان، بجامع أن كلا منهما مال، فيجب الضمان كما في الغصب والإتلاف.
الثاني : أن المنفعة متقومة: قال الجمهور: إن المنفعة متقومة، وكل متقوم فهو مضمون بقيمته، بل إن المنفعة تقوم بها الأعيان، "فيستحيل أن لا تكون متقومة بنفسها، ولأنها تملك بالعقد، ويضمن به، صحيحا كان أو فاسدا، وإنما يملك بالعقد ما هو متقوم، فيضمن بالإتلاف وإن لم يكن مالا، كالنفوس و الأبضاع" .
الثالث : أن الطبع يميل إليها، ويسعى في ابتغائها وطلبها، وتنفق في سبيلها الأموال، ويقدم في سبيلها نفيس الأشياء و رخيصها .
الرابع : أن العرف العام في الأسواق والمعاملات المالية يجعل المنافع غرضا ماليا ومتجرا يتجر فيه.
الخامس : أن الشارع اعتبر المنافع أموالا، لأنه أجاز أن تكون مهرا في الزواج، ولا يكون مهرا في الزواج إلا المال، قال تعالى:{ وأحل لكم ما وراء ذلك أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين} .
السادس : أن العقد قد ورد على المنافع، فتكون مضمونة به حينئذ، سواء أكان العقد صحيحا أم فاسدا، وضمانها دليل على أنها تكون مالا بالعقد عليها. و لو لم تكن أموالا في ذاتها ما قلبها العقد مالا، لأن العقود لا تقلب حقائق الأشياء، بل تقرر خواصها.
أدلة الحنفية : وعندهم المنافع لا تورث .
وقد استدل الحنفية لمذهبهم بأدلة عديدة، سنذكر أهمها:
أولا: أن المنفعة ليست مالا متقوما.
ثانيا: أن المنفعة لا تماثل العين.
ثالثا: إن المنفعة قبل كسبها معدومة، والمعدوم ليس مالا.
[خيارات البيع ]
واصطلاحاً : طلب خير الأمرين من إمضاء العقد أو فسخه .
1- خيار الوصف، أو خيار فوات الوصف المرغوب فيه :
مثاله : أن يشتري بقرة على أنها حلوب، فظهرت غير حلوب، أو يشتري جوهرة على أنها أصلية، فظهرت أنها تقليد صناعي للأصلية .
أحكام هذا الخيار : يورث خيار الوصف، فلو مات المشتري الذي له خيار الوصف، فظهر المبيع خالياً من ذلك الوصف، كان للوارث حق الفسخ.
2- خيار النقد :
حكم سقوطه : إذا مات المشتري المخير بخيار النقد في أثناء مدة الخيار، بطل البيع.
3- خيار التعيين :
أحكامه : يورث هذا الخيار عند الحنفية، بخلاف خيار الشرط، فلو مات من له الخيار قبل التعيين، يكون الوارث مجبراً أيضاً على تعيين أحد المبيعات ودفع ثمنه.
4- خيار الغبن :
تعريفه اصطلاحا : النقص في الثمن في البيع والشراء ..صور خيار الغبن :
1- تلقي الركبان: و هو أن يتلقى القافلة ويخبرهم بكساد ما معهم من المتاع ليغبنهم.
2- النجش: وهو أن يمدح السلعة ويطلبها بثمن ثم لا يشتريه بنفسه ولكن ليسمع غيره فيزيد في ثمنه.
3- بيع المسترسل : و هو الجاهل بقيمة السلعة، ولا يحسن المبايعة.
5- خيار كشف الحال :
6- خيار الخيانة :
وقال الشافعية في الأظهر والحنابلة : لا خيار للمشتري بسبب الخيانة، وإنما له الحط من الثمن مقدار الخيانة.
7- خيار تفرق الصفقة :
8- خيار إجازة عقد الفضولي :
9- خيار تعلق حق الغير بالمبيع :
فإن أجاز المستأجر أو المرتهن فلا خيار للمشتري، وإن لم يجز ثبت الخيار له بين الانتظار حتى نهاية مدة الإجارة وفكاك الرهن، أو الفسخ.
10- خيار الكمية للبائع :
11- خيار الاستحقاق :
وإن كان الاستحقاق لبعض المبيع بعد القبض، يبطل البيع في الجزء المستحق أيضاً، وأما الجزء الباقي فيخير المشتري في قبول الباقي بحصته من الثمن إن أضره التبعيض كالثوب والدار، ويلتزم بالباقي إن لم يضره التبعيض كالمكيل والموزون.
وذلك كله إن لم يجز المستحق البيع، فإن أجازه، لزم البيع، إذ لا ضرر بالتبعيض.
12- خيار الشرط
وفي القاموس المحيط : الشَّرْطُ إلزامُ الشيءِ، والتِزَامُهُ في البيعِ ونحوِه .
اصطلاحا : خيار الشرط أن يشترط العاقدان أو أحدهما الخيار في صلب العقد أو بعده في المجلس إلى مدة معلومة.
حكمه:ذهب جمهور الفقهاء ومنهم الأئمة الأربعة ( أبو حنيفة , ومالك , والشافعي , وأحمد ) إلى جواز هذا النوع من الخيارات .
حكم توارثه :
1- عند الحنفية والحنابلة ، خيار الشرط لا يورث عندهم لأنه رغبة ومشيئة ، ومثل هذا لا يخلف الوارث فيه المورث ..
2- و المالكية و الشافعية على العكس من ذلك - يذهبون إلى أن وراثة هذا الخيار لأنه حق متعلق بالمال، وأثر من آثار العقد ، وليس من الحقوق الشخصية" ..
13- خيار العيب :
العيب : هو كل ما يخلو عنه أصل الفطرة السليمة ويوجب نقصان الثمن في عرف التجار نقصاناً فاحشاً أو يسيراً كالعمى والعور والحول.
تعريف خيار العيب في الاصطلاح : وهو كل ما يثبت للمشتري حق الفسخ أو الإمضاء لعيب في المبيع.
حكم توارثه :
يلاحظ أن حق العيب يورث، فلو مات المشتري شراء فاسداً فورثه الورثة، فيحق للبائع الفسخ، وكذا الورثة، لأن الوارث يقوم مقام الميت في حق الفسخ، وكذا يحق لورثة البائع إن مات أن يطالب ورثته باسترداد المبيع.
14- خيار المجلس
حكمه الشرعي: اختلف الفقهاء في خيار المجلس على قولين:
القول الأول: ثبوت خيار المجلس. وهو مذهب الشافعية والحنابلة وهو قول الظاهرية .
القول الثاني: عدم ثبوت خيار المجلس: وهو مذهب الحنفية والمالكية .
حكم توارثه :يعني لو أنهما في المجلس ، فمات ، فهل يورث ؟
1- المذهب : أنه لا يورث ، لأن الموت أعظم فرقة .
2- وقال بعض أهل العلم : أنه يورث .
والأول أقرب ، لأن الأصل هو لزوم البيع ، وهذا الخيار لم يثبته المكلف لنفسه ، كخيار الشرط – فله غرض في الخيار ، كما سيأتي - ، لكن أثبته الشارع له ، وقد لا يكون في نفسه الفسخ .
15- خيار الرؤية :
وعرف بأنه : توقف العقد على مشاهدة المعقود عليه إن شاء أخذه أو رده .
حكم توارثه :
ويلاحظ أخيراً أن خيار الرؤية لا يورث كما لا يورث خيار الشرط إذا مات المشتري مثلاً بعد ثبوت الخيار له، لأن "الخيار ثبت بالنص للعاقد، والوارث ليس بعاقد، فلا يثبت له، لأن الخيار وصف له، فلا يجري فيه الإرث" كما قال الزيلعي والحنابلة.
وقال مالك : يورث خيار الرؤية، كما يورث خيار التعيين والعيب؛ لأن الإرث كما يثبت في الأملاك، يثبت في الحقوق الثابتة بالبيع.
وهذا أقرب إلى المنطق؛ لأن الوراث يخلف المورث في كل ما ترك من مال وحقوق منها حق الخيار.
والخلاصة :
أما خيار العيب والتعيين والقصاص وخيار الرؤية وخيار الوصف وخيار التغرير، فإنه يورث.
وقال المالكية والشافعية : إذا مات صاحب الخيار : فلورثته من الخيار مثل ما كان له، لأن الخيار حق ثابت لضمان صلاحية المال المشترى، فلم يسقط بالموت كالرهن وحبس المبيع على الثمن ونحوها من الحقوق المالية، فينتقل إلى الوارث كالأجل وخيار الرد بالعيب، ولأنه حق فسخٍ للبيع، فينتقل إلى الوارث كالرد بالعيب، والفسخ بالتحالف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق