18‏/01‏/2013



الدرس : [21] :  باب : الحقوق المتعلقة بالتركة

[ باب : الحقوق المتعلقة بالتركة ]


[إرث التركة المحرمة.]

التركة المحرمة : ما كسبت من حرام، ولإرثها ثلاث حالات : 
الحالة الأولى : أن يكون جميعها محرماً وهذه يحرم إرثها. 
ولكن إن علم أصحابها: فإن لم يعتاضوا عنها، كالحاصل من الزيادة الربوية والسرقة والغصب ونحوها، ردت لأصحابها، لأنها أخذت منهم بغير حق، ولم يعتاضوا عنها بشيء. 
وإن اعتاض أصحابها عنها بمحرم، كمهر البغي وحلوان الكاهن، لم ترد إليهم، لأنهم اعتاضوا عنها بمنافع لهم.
وحينئذ تصرف هذه الأموال مع ما لم يعلم أصحابها مطلقاً، في وجوه البر، تخلصا منها، لا بنية الصدقة، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا. 

الحالة الثانية : أن يكون بعض التركة محرما وهذا ينقسم إلى قسمين : 
القسم الأول : أن يعلم عين المحرم، فيخرج من التركة على ما تقدم في التركة المحرم جميعها. 
القسم الثاني : أن لا يعلم المحرم بعينه، فيخرج قدره من التركة إن علم، وإلا تحري في قدره وأخرج في وجوه البر. 
الحالة الثالثة : أن يشتبه في وجود المحرم في التركة، فإن كان مجرد شك ووسوسة، فلا عبرة بهما، وتورث التركة, وإن كان الشك لوجود قرائن جاز إرث التركة، لأن الأصل الحل، ويجوز عدم إرثها، تورعاً .

فتوى : هل الميراث يطيب المال الحرام ؟؟؟
ورثنا من أبينا مال حرام و كان أبينا قد ورث هذا المال من أمه ؟؟

فهل هذا الإرث حلال أم حرام؟ 
الجواب :
إن تقادم العهد ، وطول المدة ، وموت صاحب الحق الأصلي : كل ذلك لا يغير من الواقع شيئا ، ولا يجعل هذا المال الباطل حلالا ، للجدة ، أو لأحد من ورثتها .
وقد ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة ، وهو اختيار شيخ الإسلام إلى أن الموت لا يطيب المال الحرام ، بل الواجب فيه الرد على مالكه إن كان معروفا ، فإن لم يكن معروفا تصدق به على الفقراء والمساكين .
وهذا هو الصواب المتعين لبراءة الذمة .
قال ابن رشد الجد :
" وأما الميراث : فلا يُطَيِّب المال الحرام ، هذا هو الصحيح الذي يوجبه النظر . 
وقال النووي رحمه الله :
" منْ وَرِثَ مَالًا وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيْنَ كَسَبَهُ مُوَرِّثُهُ , أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ ؟ وَلَمْ تَكُنْ عَلَامَةً , فَهُوَ حَلَالٌ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ , فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِ حَرَامًا وَشَكَّ فِي قَدْرِهِ أَخْرَجَ قَدْرَ الْحَرَامِ بِالِاجْتِهَادِ "
وقد َبَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الظُّلَامَةَ إذَا كَانَتْ فِي الْمَالِ طَالَبَ الْمَظْلُومُ بِهَا ظَالِمَهُ , وَلَمْ يَجْعَلْ الْمُطَالَبَةَ لِوَرَثَتِهِ , وَذَلِكَ أَنَّ الْوَرَثَةَ يَخْلُفُونَهُ فِي الدُّنْيَا , فَمَا أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ فِي الدُّنْيَا كَانَ لِلْوَرَثَةِ , وَمَا لَمْ يُمْكِنْ اسْتِيفَاؤُهُ فِي الدُّنْيَا فَالطَّلَبُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ لِلْمَظْلُومِ نَفْسِهِ "فعلى ما تقدم : يجب رد المال إلى الورثة المستحقين على الحقيقة ، كما أمر الله تعالى ، 
والله تعالى أعلم .
بحث في أنواع المال الحرام
قال الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ،وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً﴾ [النساء: 29-30]. 
وقال صلى الله عليه وسلم : « إن الله أبى أن يدخل الجنة لحماً نبت من سحت، فالنار أولى به »، والسحت هو الحرام، وما ليس بحق،.
وقال صلى الله عليه وسلم : «وَمَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُه حرَامٌ ، ومَلْبسُهُ حرامٌ ، وغُذِيَ بِالْحَرامِ، فَأَنَّى يُسْتَجابُ لِذَلِكَ؟ »، فالمال الحرام يحول دون تزكية الإنسان نفسه.
وقد حذر من ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: « ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال، أَمِنْ حلالٍ أمْ مِنْ حرام ».
والكسب الحرام عملا خطيرا، لا ينبغي أن يقدم عليه المسلم، لما يترتب عليه من مخالفة للشارع الحكيم، تبعده عن الله، وتوقعه في الإثم. المال الحرام : كل ما يكسبه الشخص من الأعيان والمنافع بطريق غير مشروع وقد قضى الشرع، بأنه لا يدخل تحت ملكية من هو تحت يده، سواء كان ذلك بطريق الإرث أو العقود الفاسدة، وإن تم ذلك برضا المتعاقدين، لأن رضاهما لا يحل الحرام.
لذلك يحب على من تحت يده مال حرام أن يتحلل منه ويتخلص من تبعته.
وسبيل ذلك: أن يعيده إلى صاحبه إن كان معروفا، وإلا أنفقه في وجوه البر والإحسان - في غير المساجد تعظيما لشأنها - كالجمعيات الخيرية، أو يتصدق به على الفقراء والمساكين.
وأن التوبة وحدها لا تكفي من دون رده إلى صاحبه إن كان معروفاً، أو التصدق به.

أهم طرق الشر التي يتوصل بها إلى المال الحرام
1 ـ السرقة :
السرقة من الكبائر التي شرع الله عليها حداً كبيراً، إذ جعل عقوبتها قطع يد السارق، وذلك يدل على عِظَم جريمة السرقة، قال تعالى : ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [المائدة: 38].
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: « أتبايعونني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تزنوا ولا تسرقوا، وقرأ آية النساء([5]) ... فمن وفي منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب فهو كفارة له، ومن أصاب منها شيئاً من ذلك فستره الله فهو إلى الله؛ إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له ».
ولا ينبغي للمسلم أن يتهاون في سرقة القليل ولو كان مما لا يقام عليه الحد، فإنه يخون بذلك نفسه وإخوانه، ويعصي ربه، ويقوده ذلك إلى التهاون في الكبير.
ـ ومن السرقة التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم :
ـ سرقة أملاك الآخرين ونسبتها إلى نفسك : قال صلى الله عليه وسلم : « من أخذ شبراً من الأرض ظلماً؛ فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين ».
ـ الأخذ من نتاج ممتلكات الآخرين بغير إذنهم.
- امتهان السرقة كحرفة و عمل وتشكيل عصبات قطع الطرق على الناس و السطو على البيوت و أخذ أموالهم بالقوة .
- ومنها أيضاً خطف الناس بغير ذنب وطلب فدية لأطلاق صراحهم .
فمن اشتهر بهذه المعصية من الناس فماله كله حرام لا يورث .
ويجب على ورثته رد المسروقات لأصحابها اذا عرفوا و اذا لم يعرفوا تنفق على مصالح المسلمين العامة .
2 ـ منع الميراث : عن بعض الورثة .
حدد الله تعالى أصحاب الميراث وفرض لكل نصيباً، ﴿ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً﴾ [النساء: 11]، وبعد أن ذكر الله أهم أحكام الميراث وأنصبتَه؛ هدد الذي يعصون الله ويخالفون حدوده فقال سبحانه : ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ، وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ [النساء: 13-14].
وبعض الناس يأكلون ميراث إخوانهم، وبعض الناس يأكلون ميراث أخواتهم وميراث النساء، وبعض الناس يأكلون ميراث الصغار والأيتام، وكل ذلك أكل للمال الحرام، وسرقة لحقوق الآخرين، فيجب إعطاء كل ذي حق حقه، فإن سامح بعد ذلك بطيب نفس منه فلا بأس أن يأخذ الإنسان منه بغير حياءٍ ولا إجبار ولا تحايل.

فيجب على الورثة رد المال الحرام الذي أتاهم من مورثهم لأصحابه عسى الله يتوب عليه وعليهم أجمعين .
فالميراث لا يطيب المال الحرام بأي صورة كانت و الله أعلم ..


3 ـ الربـا : الربا من الكبائر فقد نهى الله عنه وهدد فاعله بالحرب من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ،فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 278-279]، .
وحرب الله للإنسان قد تكون بصرفه عن طاعة الله أو عن الإيمان، وقد تكون بالإمهال ليزداد إثماً، وقد تكون بسوء الختام، وقد تكون بإفقاره بعد الغنى، وغير ذلك، أعاذنا الله من غضبه وحربه.

والربا من أكثر أبواب المال الحرام انتشاراً في زماننا، ومن أكثر ما يستهين به الناس، فإن السارق أو المرتشي أو الآكل لمال اليتيم يشعرون بأنهم مجرمون، لكننا نجد أكثر المسلمين الذين يقعون في الربا اليوم لا يشعرون بالذنب، أو لا يعرفون أنهم يقعون في كبيرة وجريمة وظلم، وقد سمي الربا بغير اسمه كاسم الفائدة والتجارة ونحو ذلك، فسَهَّل بذلك ارتكابه، وقد رَدَّ الله عليهم تشبيههم الربا بالبيع، بقوله: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾[البقرة: 275],
ومما هَوَّنَ الربا عند الناس وكان سبباً في انتشاره جهلهم بحقيقة الربا وتفصيلاته، وجهلهم متى تكون المعاملات المالية ربوية ومتى لا تكون، لذلك فمن واجب كل مسلم أن يتعلم من فقه المعاملات ما يعرف به الحرام من الحلال، وأن يسأل عن معاملاته، وعندئذ يكون عارفاً بالربا وغيره مما حرم الله.
فبادر أيها المسلم الذي وقع في الربا إلى التوبة النصوح منه، ولا تتم التوبة حتى ترد المال الذي أخذته بالربا إلى من أخذته منه، فإن لم تعرفه تتخلص من هذا المال في وجوه الخير العامة، ولا تأكله ولا تدخله في بطنك، ولا تستفد منه لنفسك، وإذا كان المال من ربا البنوك فلا ترده للبنك لأن ذلك يعينهم على التمادي بمعصيتهم بل أصرفه في مصالح المسلمين العامة .عسى أن يتوب الله عليك، ويهديك إلى الصلاح فيما بقي من عمرك.

4 ـ الغلول : وهو ما يأخذه الولاة والموظفون من الأموال العامة بغير حق، .
قال تعالى : ﴿ ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة، ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ﴾ [آل عمران: 161]، ..
وقال صلى الله عليه وسلم : « يا أيها الناس من عمل منكم لنا على عمل فكتمَنا منه مِخْيَطاً فما فوقه فهو غالّ يأتي به يوم القيامة »، ..
وقال صلى الله عليه وسلم : « من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أَخَذ بعد ذلك فهو غلول ».


5 ـ أخذ الرشوة: وهذا مما يكثر في زماننا بصور شتى، وصاحبه ملعون، يجب عليه أن يتوب، ويرد الحقوق إلى أهلها، قال صلى الله عليه وسلم : « لعن الله الراشي والمرتشي ».
والذي يأخذ الرشوة يأكل مالاً حراماً بغير حق، وفُشُوُّ الرشوة بين الناس سبب في عدم أداء حقوق الناس إلا بباطل وحرام، فالرشوة تفسد ضمير المسؤولين والموظفين وتجعلهم يهضمون الحقوق الخاصة والعامة، إذ يقدمون مصلحة الراشي الذي يعطيهم الرشوة، ويؤخرون مصالح غيره من الناس ويضيعون مصالح الدولة.
ـ ومن الرشوة أن يقبل الهدايا التي تأتيه بسبب وظيفته لا لشخصه، فعن أبي حُمَيد عبد الرحمن بن سعد الساعدي قال : استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد على صدقات بني سليم يدعى بن اللتبية، فلما جاء حاسبه، قال: هذا مالكم، وهذا هدية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك، إن كنت صادقاً » ثم خطبنا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : « أما بعد، فإني أستعمل الرجل منكم على العمل ممّا ولاني الله، فيأتي فيقول : هذا مالكم وهذا هديّة أهديت لي! أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً، والله لا يأخذ أحد منكم منها شيئاً بغير حقه إلا لقي الله تعالى يحمله يوم القيامة، فلا أعْرِفَنّ أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاء، أو بقرة لها خُوار، أو شاة تَيْعَر، ثم رفع يديه حتى رُئي بياض إبطيه فقال: اللهم هل بلغت؟ ».
6 ـ أكل مال اليتيم والضعيف : وقد حذر الله من ذلك أشد الحذر فقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ﴾ [النساء: 10]، وقال سبحانه: ﴿ وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيرًا ﴾ [النساء: 2)].
وهذا نجده مستهاناً به فيه في مجتمعاتنا، فكم من وَصِيٍّ، وكم من عمٍّ أو جدٍّ يأكل مال أيتامه أو بعضها، أو يسيء التصرف فيها، أو يبخل عليهم بأموالهم وحقوقهم، وينمِّيها لنفسه.

7 ـ أكل الدَّين : كثيراً ما ترى من يأخذ ديناً ولا يرده، ويتهاون في ردّه وهو مستطيع ردّه، ويستفيد من مال غيره وصاحبه محتاج إليه يطالبه به وهو أولى بأن يستفيد منه عندئذ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تأخير سداد الدين إذا حل أجله أو طالب به صاحبه، وبين أنه ظلم، فقال: « مطل الغني ظلم » وقال صلى الله عليه وسلم « لَيَّ الواجد يحل عرضه وعقوبته » ، وقوله: يحل عرضه أي يجيز للإنسان أن يفضحه ويشهر بسمعته ويقول له: مطلتني، «وعقوبته»: أي تعزيره وسجنه ونحو ذلك.

8 ـ الاحتكار: وهو أن يحبس سلعة يحتاجها الناس حتى يغلو سعرها لقلة وجودها في السوق، ثم يبيعها بسعر غالٍ مستغلاً حاجة الناس، فما يأكله من مال زائد عن سعرها الطبيعي حرام، وهو آثم بحبس السلعة عن الناس وهم يحتاجونها، قال صلى الله عليه وسلم : « من احتكر فهو خاطئ » أي عاصٍ.

9 ـ الغِشّ : وهذا مما يكثر في البيوع والمعاملات، وقد حذرنا منه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: « من غشنا فليس منا »، فمن يرضى غش أخيه المسلم فقد نزل عن رتبه المسلم وأخلاقياته، وانحط في نفسه ودساها.
ولا ينبغي لمسلم أن يبيع شيئاً معيباً لا يرتضي هو أن يشتري مثله، أو لا يرتضي من بائع أن يخبئ عنه عيبه، فإذا بعت شيئاً فأَعْلِمْ أخاك المسلم ما فيه من العيب، ولا تكتم، فتكونَ ممن طمع بالدنيا وقدمها على آخرته وتزكيته، فالمال الذي يدخل عليك من الغش مال حرام وظلم.

10ـ الاستغلال : ومنه استغلال حاجة العمال، وحاجة الموظفين والموظفات إلى الوظيفة، وتشغيلهم بأسعار وأجور زهيدة، على الرغم من قدرة صاحب العمل على إعطائهم أجوراً تكفيهم وتسد حاجاتهم، وعلى الرغم من أن أرباحه التي ينالها من عملهم هي كثيرة جداً، فإذا كان صاحب العمل يعطي رواتب وأجوراً دون الكفاية وهو يربح أرباحاً كبيرة خيالية يستطيع معها أن يربح ربحاً عظيماً حتى بعد إعطاء عماله كفايتهم؛ فإن ما يمنعه من أجور الموظفين التي يستحقونها فوق رواتبهم هو مال حرام يأكله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « هُمْ إِخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ جَعَلَ اللَّهُ أَخَاهُ تَحْتَ يَدِهِ؛ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ يُكَلِّفُهُ مِنْ الْعَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ، فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ ».

11ـ منع الزكاة : أوجب الله إخراج نصيب من المال زكاةً للفقراء والمساكين والمستحقِّين، وحينما يجب إخراج هذا المال يصير حقاً للفقراء والمستحقين، ولا يعود هذا المال لصاحبه، فإذا مَنَعَهم إيّاه وأَكَلَه فقدْ أكل مالاً حراماً.
ومن أُعطِي مالَ الزكاة فأخره عن المستحقين؛ فإنه ينال إثماً بقدر تأخيره، فلا يجوز تأخير مال الإنسان مع القدرة على تسليمه إياه، كما لا يجوز تأخير الدين عن الدائن إذا قدرْتَ على سداده وصاحبه محتاج إليه.

12 ـ أكل مهر المرأة : جعل الله للزوجة عند عقد زواجها حقاً من المال مهراً من زوجها، وأوجب إعطاءها إياه، فهو حق لها وحدها، ولا يجوز أن يطالب الأب أو الأعمام أو الأخوال بنصيب من المال حتى يزوجها، فإن لم يعطهم الزوج لم يقبلوا تزويجه، فما يأخذونه من مال لقاء ذلك فهو مال حرام، ولا يجوز للزوج أن يأكل هذا المهر ويأخذه من زوجته بعد أن أعطاها إياه، إلا إذا تبرعت له بشيء من ذلك من غير إحراج ولا استحياء وإنما عن رضا منها، وإذا أعطته إياه على سبيل الدين فعليه أن يرده إليها، قال تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً﴾ [النساء: 4].

ـ وصور المال الحرام التي يمكن أن يقع فيها الإنسان أو يأكلها حراماً كثيرة.
  • أن يطالب بحق الشفعة وهو لا يريدها، وإنما يتوصل بذلك إلى إرضائه بمبلغ من المال، فهو حرام يأكله.
  • أن يكلف بعمل فلا يقوم بحقه ولا يُتقِنُه، فيأكل بعض أجرته مالاً حراماً بغير حق، لأنه إنما استحق الأجر على تمام العمل، وهو لم يتم العمل، بل قصر فيه وأساء وغشّ.
  • النصب والاحتيال لأخذ أموال الناس بغير حق، كأن يشترك معهم في تجارة ثم يسرق منها، أو ينكر أن لهم حقوقاً مالية معه، ويكون قد رَتَّبَ أمورَه بطريقة لا تدينه قانوناً.
  • أن يشتري ما يعلم أنه سرقة، أو ما يعلم أن فيه حقاً لغيره، فيشتريه وقد لا يستطيع صاحبه أن يصل إلى ماله بعد ذلك.
  • ما يدخل على الإنسان من مال نتيجة بيعٍ مكروه أو محرَّم، باطل أو فاسد، من البيوع التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم ، كبيع الإنسان لما لا يملك، وبيع الملامسة والمنابذة، وبيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، وبيع النجش، وبيع الغرر، والبيع مع الجهالة في الثمن أو المثمن جهالة تؤدي إلى النزاع والخلاف، وغير ذلك.
  • أن ينشغل المسلم بطلب المال المباح عن إقامة فريضة الصلاة والجهاد وصلة الرحم ونحو ذلك من الفرائض العينية أو الفرائض الكفائية إذا تعيَّنت عليه، فإذا انشغل بطلب المال المباح في هذه الحالة وهو يجد الحد الأدنى الذي يعيش به؛ فإنه يكون قد أدخل على نفسه كسباً حراماً لأنه شغله عن واجب من غير ضرورة، وترك الواجب حرام، وما يؤدي إلى الوقوع في الحرام أو يشغل عن الواجب فهو حرام.
  • الإنفاق المحرم : وقد يقع الإنسان في الإثم نتيجة سوء التعامل مع المال، حتى ولو لم يأكل منه لنفسه، والله تعالى كما يحاسب أحدنا عن المال من أين اكتسبه، كذلك يحاسبه فيم أنفقه،..
وأبواب المال الحرام كثيرة غير ذلك، وإنما ذكرت أخطرها وأكثرها وقوعاً، فلنتق الله في أنفسنا، ولنحذر مما يفسد قلوبنا وإيماننا وتزكيتنا.

نصائح و ارشادات بنهاية هذا البحث :
1- أن المال الحرام : كل ما يكسبه الشخص من الأعيان والمنافع بطريق غير مشروع.
2- قضى الشرع بأن المال الحرام لا يدخل تحت ملكية من أخذه، سواء كان ذلك بطريق الإرث أو الاختلاس والرشوة والقمار ونحوه أو العقود الفاسدة، وإن تم ذلك برضى المتعاقدين، لأن رضاهما لا يحل الحرام.
3- لا يجوز لمن كسب مالاً حراماً أن ينفقه على نفسه أو عياله، كما لا يجوز له أن يؤدي به الطاعات كالحج والعمرة، ولا ينفقه في تشييد المساجد ونحوها.
4- أنه يجب على من وقع تحت يده مال حرام أن يتحلل منه ويتخلص من تبعته. وسبيل ذلك: أن يعيده إلى صاحبه إن كان معروفاً، وإلا أنفقه في وجوه البر والإحسان كالجمعيات الخيرية، أو يتصدق به على الفقراء والمساكين والمستشفيات.
5- التوبة وحدها لا تكفي من دون رد المال الحرام إلى صاحبه إن كان معروفاً، أو التصدق به إن كان غير معروف.
6- الأولى لمن حصلت في يده فوائد بنكية أن لا يدعها للبنك لما في ذلك من الإعانة على التعامل بالربا، وبخاصة إذا حصلت له من بنك في دولة كافرة، فإنه إن تركها فيه كان ذلك عوناً لهم على الربا، وتقوية لهم على المسلمين في نهاية الأمر، وإنما يبذلها في المصالح العامة وعلى الفقراء والمساكين كما سبق بيانه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق