18‏/01‏/2013


الدرس : [15] :  باب : الحقوق المتعلقة بالتركة

[ باب : الحقوق المتعلقة بالتركة ]




الدين المرسل وهو المطلق الذي لم يتعلق بعين التركة وإنما يتعلق بذمة الميت ولذلك سمي بالمرسل ويتعلق بالتركة كلها وإن لم يستغرقها .
سواء كان الدين لله كالكفارات والزكاة والحج الواجب أو كان لآدمي كالقرض والأجرة وغير ذلك .

لقوله عز وجل :" من بعد وصية يوصي بها أو دين "[النساء:12] .
ولأن الدين تستغرقه حاجته فقدم على الإرث . 
وإن كان الدين أكثر من قيمة التركة ولم تف بدين الله ودين الآدمي فأيهم يقدم دين الله أم دين الآدمي ؟
اختلف علمائنا رحمهم الله عزّ وجل على ثلاثة أقول :
الأول : يتحاصون على نسبة ديونهم كما يتحاصون في مال المفلس في الحياة سواء كانت الديون لله تعالى أو للآدميين أو مختلفة وهذا قول الحنابلة .
الثاني : يقدم دين الآدمي لبنائه على المشاحة ودين الله على المسامحة,وهذا قول الحنفية والمالكية ويقدم الحنفية دين الصحة الذي للآدمي على دين المرض .
ودين الصحة هو ما كان ثابتاً بالبينة أو بالإقرار في زمن الصحة حقيقة أو في زمان صحته حكماً وهو ما أقر به في مرضه وعلم ثبوته بطريق المعاينة كالذي يجب بدلاً عن مال ملكه أو استهلكه.
ودين المرض هو الثابت بإقراره أو فيما هو في حكم المرض كإقرار من خرج للمبارزة أو خرج للقتل قصاصاً .
الثالث : يقدم حق الله على حقوق الآدمي على الصحيح وهذا قول الشافعية .
لقوله صلى الله عليه وسلم : ( أقضوا الله فالله أحق بالوفاء ) ( البخاري كتاب الإحصار باب الحج والنذور عن الميت ) .
والديون أربعة أنواع :
1ً ) ـ الديون المتعلقة بالأعيان : كالدين المتعلق بالمرهون إذا لم يكن للميت شيء سواه، وقد بينت أنها تقدم عند الجمهور على التكفين والتجهيز، وأما في القانون فتؤخر عن التجهيز، أخذاً بمذهب الحنابلة ...
2ً ) ـ ديون الله تعالى : كالزكاة والكفارة والنذور، تسقط بالموت عند الحنفية، ولا يجب على الورثة أداؤها عن الميت إلا بإنابة منه بأن يوصي بها أن تؤدى عنه من تركته، فتؤدى من ثلث المال فقط.
وقال الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة: هذه الديون واجبة الأداء ومتعلقة بالتركة، وتؤدى ولو لم يوص بها الميت، وهذا الرأي أصح لما فيه من إبراء الذمة.
3ً ) ـ ديون العباد : أو ديون الميت التي لزمته في ذمته حال الصحة و تقدم على دين المرض، وديون الصحة في منزلة واحدة مهما اختلفت أسبابها كالقرض والمهر والأجرة ونحوها من كل ما وجب في الذمة بدلاً عن شيء آخر.
4ً ) ـ ديون المرض : التي لزمت الميت عن طريق الإقرار ولم يعلم الناس بها,تؤخر عن ديون الصحة؛ لأن الإقرار في مرض الموت مظنّة التبرع أو المحاباة، فتكون في حكم الوصايا التي تنفذ من الثلث، وهي مؤخرة عن الديون الأخرى ...
ولم يفرق الجمهور بين ديون الصحة وديون المرض، فهي في مرتبة واحدة سواء، لأنه إن عرف سببها للناس فهي ملحقة بديون الصحة على رأي الحنفية، وإن لم يعرف سببها يكفي الإقرار في إثباتها؛ لأن الإقرار حجة ملزمة لا تلغى إلا إذا ثبت ما يبطلها أو يكذبها .... 
فائدة:طريقة وفاء الدين .
1- الدين إن كان للعباد فالباقي بعد تجهيز الميت لسداد الدين إن وفى به .
2- إذا لم يف الباقي بالدين وكان الغريم واحد يعط له الباقي وما بقي له على الميت إن شاء عفا وإن شاء تركه إلى دار الجزاء.
3- في حال تعدد الدين يكون لدينا الحالات التالية :
أ- الدين كله دين الصحة « ثابتا بالبينة أو بالإقرار في زمان صحته » أو الكل دين المرض «ثابتا بإقراره في مرضه» يصرف الباقي للغرماء على حسب مقادير ديونهم.
وهذا ما يعرف بمبدأ المحاصة) .
مثلاً : محمد له 10 دنانير وخالد له 30 ديناراً وقاسم له 60 ديناراُ المجموع 100 دينار وترك الميت 10 دنانير فيعطى محمد دينار وخالد ثلاث وقاسم ستة هذا بنسبة ديونهم وهكذا قس وهذا مبدأ المحاصة .
ب- إذا اجتمع الدينان معاً يقدم دين الصحة لأنه أقوى.
جـ- إذا ثبت دين المرض بالمعاينة وكان مقر به قبل ذلك كان كدين الصحة في الوجوب وساواه في الحكم .
خ- إذا كان الدين من حقوق الله تعالى فإن أوصى به وجب تنفيذه من ثلث ماله الباقي بعد دين العباد وإن لم يوص لم يجب عند الأحناف .
وعند الجمهور ديون الله تعالى واجبة الأداء سواء أوصى بها أم لم يوصي واختلفوا فقط بزمن أدائها قبل أو مع أو بعد ديون العباد .
فمثلاً : إذا فاتته صلوات ولم يقظ يطعم الورثة عن كل صلاة نصف صاع من بر,ومثله في الصيام عن كل يوم نصف صاع من بر .
وإذا كان الدين حج أو زكاة يقضى من ثلث ماله الباقي بعد التجهيز ودين العباد وشرط هذه الأمور الوصية وإلا فلا عند الأحناف .
وعند الجمهور تقضى ديون الله تعالى من جميع ماله مثل ديون العباد.
فائدة : تعريف مرض الموت :
عرفته مجلة الأحكام العدلية في المادة 1595 بأنه: هو الذي يغلب فيه خوف الموت ويعجز المريض عن رؤية مصالحهُ خارج داره إن كان من الذكور وعن رؤية مصالحه داخل داره إن كان من الإناث ويموت على ذلك قبل مرور سنة .
سواء كان صاحب فراش أم لم يكن وأن امتد مرضه ومضت عليه سنة وهو على حال واحدة كان في حكم الصحيح.
ولقد أجمع الفقه والاجتهاد القضائي على أن مرض الموت يجب أن تتحقق فيه ثلاثة شروط :‏ 
1 - أن يكون مرض يحدث فيه الموت غالباً‏ .
2 - أن يولد عند المريض شعوراً بالخوف من الموت‏ .
3 - أن يموت الشخص بالفعل موتاً متصلاً به قبل مضي سنة على بدئه .
إثبات مرض الموت :‏لإثبات مرض الموت لابد من توفر تقارير طبية تؤكد طبيعة المرض وحدوثه فعلاً , أما أن المرض هو مرض مميت فلا يجوز إثباته بالبينة الشخصية بل إنما يخضع إلى الخبرة الفنية ليتقرر معها توفر شرط تولد الخوف من الموت لدى المريض , .
وبالتالي فإن الفصل في المنازعات الناشئة عن التصرفات التي يجريها الإنسان حال مرضه , وأن هذا المرض هو مرض مميت أم لا , يتوقف على تحقيق أمر يستلزم معرفة فنية مع مراعاة تحقق الشروط الثلاثة التي سلف ذكرها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق