18‏/01‏/2013



أنه إذا مات الميت بدئ من ماله بكفنه ومؤنة تجهيزه وهذا هو الحق الأول عند الحنابلة أما عند الأئمة الثلاثة فيقدم الحقوق المتعلقة بعين التركة على مؤن تجهيز الميت .
لما روى خباب بن الأرت قال : قتل مصعب بن عمير رضي الله عنه يوم أحد وليس له إلا نمرة كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجله ، وإذا غطينا رجله خرج رأسه فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) :" غطوا بها رأسه واجعلوا على رجله من الاذخر" ..
وأنَّ عبدَ الرحمنِ بنَ عوفٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ أُتِيَ بطعامٍ ، وكان صائمًا ، فقال : قُتِلَ مصعبُ بنُ عميرٍ ، وهو خيرٌ مِنِّي ، كُفِّنَ في بُرْدَةٍ : إن غُطِّيَ رأسُهُ بدتْ رجلاهُ ، وإن غُطِّيَ رجلاهُ بدا رأسُهُ . وأُرَاهُ قال : وقُتِلَ حمزةُ ، وهو خيرٌ مِنِّي ، ثم بُسِطَ لنا من الدنيا ما بُسِطَ ، أو قال : أُعْطِينا من الدنيا ما أُعْطِينَا ، وقد خشينا أن تكونَ حسناتنا عُجِّلَتْ لنا ، ثم جعل يبكي حتى تركَ الطعامَ .
وقال ابن القيم في زاد المعاد : سقط رجل من المسلمين عن راحلته وهو محرم فمات، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفن في ثوبيه ، ولا بطيب ، وأن يغسل بماء وسدر، ولا يغطى رأسه ، ولا وجهه ، وأخبر أن الله تعالى يبعثه يوم القيامة يلبي .
وفي هذه القصة : أن الكفن مقدم على الميراث ، وعلى الدين ،لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يكفن في ثوبيه ، ولم يسأل عن وراثه ، ولا عن دين عليه . 
ولو اختلف الحال ، لسأل , وكما أن كسوته في الحياة مقدمة على قضاء دينه ، فكذلك بعد الممات .
قال في المغني : ويجب كفن الميت لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به ولأن سترته واجبة في الحياة فكذلك بعد الموت ويكون ذلك من رأس ماله مقدماً على الدين والوصية والميراث لأن حمزة ومصعب بن عمير رضي الله عنهما لم يوجد لكل واحد منهما إلا ثوب فكفن فيه ، ولأن لباس المفلس مقدم على قضاء دينه فكذلك كفن الميت ولا ينتقل إلى الوارث من مال الميت إلا ما فضل عن حاجته الأصلية وكذلك مؤنة دفنه وتجهيزه وما لا بد للميت منه وإن لم يترك الميت شيء : فمؤنة تجهيزه على من تلزمه نفقته في حياته لأن ذلك يلزمه في حال حياته فكذلك بعد الموت ، فإن لم يوجد من تلزمه النفقة فمؤنة تجهيزه على بيت المال إن كان مسلماً وإن لم يكن هناك بيت مال أو وجد بيت المال وتعذر الأخذ منه فمؤنة تجهيزه على من علم بحاله من المسلمين .
روى الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { كل أحد أحق بكسبه من والده وولده وسائر الناس أجمعين } - رواه سعيد في سننه - فهو أحق بماله بعد موته .
وتأخذ نفقة تجهيزه من رأس المال وهي ثمن ماء تغسيله وكفنه وحنوطه وأجرة غاسله وحافر قبره .
من غير تبذير أو تقتير كما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه " [ رواه مسلم ] .
فإذا اعتبرنا العدد فتكفين الرجل بأكثر من ثلاث أثواب والمرأة بأكثر من خمسة يكون تبذيرا وبأقل من ذلك تقتيرا .
وباعتبار القيمة فإذا كان يلبس ما قيمته 100 درهم في حياته فيكون ثمن ثوب كفنه أكثر من هذا المبلغ تبذير وأقل من هذا المبلغ تقتير . 
اختلف الأئمة الأربعة رحمهم الله في مؤنة تجهيز الزوجة لأنه إن كانت في مالها، فحق من حقوق تركتها، وإن كانت على زوجها، فليس بحق من حقوق تركتها على ثلاثة أقوال :
الأول : عند الإمامين مالك وأحمد أنه لا يلزم الزوج كفن امرأته ولا مؤنة تجهيزها بل يكون من مالها سواء كان الزوج موسراً أو معسراً وسواء كانت الزوجة غنية أو فقيرة لأن ما لها من حقوق على الزوج انقطع بموتها فالنفقة والكسوة وجبت في النكاح للتمكين من الاستمتاع ولهذا تسقط بالنشوز والبينونة وقد انقطع ذلك بالموت فأشبهت الأجنبية فيكون تجهيزها لو لم يكن لها مال على من تجب عليه نفقتها لو لم تكن زوجة 
( تعامل كأنها غير زوجة ) وتعامل كغيرها من المسلمين إن كانت مسلمة إذا لم يوجد من تجب عليه النفقة.
الثاني : عند الإمام أبي حنيفة تجب مؤنة تجهيز الزوجة على الزوج مطلقاً سواء كان موسراً أو معسراً .
الثالث : عند الإمام الشافعي تجب مؤنة تجهيز الزوجة على الزوج إن كان موسراً وإن كان معسراً فلا تلزمه فتخرج مؤنة تجهيزها من أصل تركتها لا من حصته . 
والمعسر من لا يلزمه إلا نفقة المعسرين ويحتمل أن يقال من ليس عنده فاضل عما يترك للمفلس والموسر على العكس .
ووجه هذا القول : أن العلاقة الزوجية باقية لأنه يرثها ويغسلها ونحو ذلك .
قال في المغني : وكفن المرأة و مؤنة دفنها من مالها إن كان لها مال وهذا قول الشافعي و أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي ، وقال بعضهم : يجب على الزوج واختلفوا عن مالك فيه واحتجوا بأن كسوتها ونفقتها واجبة عليه فوجب عليه كفنها كسيد العبد والوالد .
ولنا أن النفقة والكسوة تجب في النكاح للتمكن من الاستمتاع ولهذا تسقط بالنشوز والبينونة وقد انقطع ذلك بالموت فأشبه ما لو انقطع بالفرقة في الحياة ولأنها بانت منه بالموت فأشبهت الأجنبية وفارقت المملوك فإن نفقته تجب بحق الملك لا بالانقطاع ولهذا تجب نفقة الآبق وفطرته والوالد أحق بدفنه وتوليه .
إذا تقرر هذا فإنه إن لم يكن لها مال فعلى من تلزمه نفقتها من الأقارب فإن لم يكن ففي بيت المال كمن لا زوج لها . 
خلاصة القول :
القول الأول : تجب على الزوج، وإليه ذهب الحنفية . 
القول الثاني : تجب على الزوجة، وإليه ذهب المالكية والحنابلة . 
القول الثالث : تجب على الزوج إن كان غنياً، و إلا فمن مال الزوجة نفسها، وإليه ذهب الشافعية.
ولا يدخل في التكفين والتجهيز إقامة المآتم وحفلات التشيع وولائم الخميس والجمعة والأربعين والسنوية وما يدفع للمنشدين والمرتلين و تشيد القبور بالرخام و الأحجار الثمينة والأبنية المقامة على الأضرحة عند قبور من يوصفون بالأولياء و الصالحين و الورود التي توضع على القبور ساعة الدفن فمن فعل هذا للميت يضمن ذلك من ماله الخاص وليس من التركة لأن معظمها بدع وممنوعة شرعاً .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق