18‏/01‏/2013


الدرس : [17] :  باب : الحقوق المتعلقة بالتركة

[ باب : الحقوق المتعلقة بالتركة ]

ثم تقسم التركة بين الورثة وذلك بعد أن يسدد من التركة الحقوق الأربعة السابقة والأسباب التي يتوارث بها الورثة المعينون ثلاثة : نسب و ولاء و نكاح .
لأن الشرع ورد بالإرث بها، وأما المؤاخاة في الدين والموالاة في النصرة فلا يورث بها لأن هذا كان في ابتداء الإسلام ثم نسخ .
بقوله عز وجل : "وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ "[الأنفال:75] , .
هذا هو حق الورثة من تركة مورثهم , وهو موضوع كتابنا هذا إلى آخره ويقدم منه الإرث بالفرض ثم التعصيب ثم الرحم .

خلاصة : يحسن بيان آراء المذاهب للحقوق المتعلقة بالتركة و ترتيبها ، كل رأي على حدة .
قال الحنفية : يبدأ من تركة الميت بتجهيزه والمراد من التركة ما تركه الميت خاليا عن تعلق حق الغير بعينه ، وإن كان حق الغير متعلقا بعينه كالرهن والعبد الجاني والمشترى قبل القبض فإن صاحبه يتقدم على التجهيز من غير تقتير ولا تبذير ، وهو قدر كفن الكفاية أو كفن السنة أو قدر ما كان يلبسه في حياته من أوسط ثيابه أو من الذي كان يتزين به في الأعياد والجمع والزيارات على ما اختلفوا فيه لقوله تعالى :" والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ". 
( ثم ديونه ) لقوله تعالى:" من بعد وصية يوصي بها أو دين" قال علي كرم الله وجهه إنكم تقرءون الوصية مقدمة على الدين ، وقد شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قدم الدين على الوصية ، ولأن الدين واجب ابتداء ، والوصية تبرع ، والبداية بالواجب أولى .
والتقديم ذكرا لا يدل على التقديم فعلا ، والمراد بالدين دين له مطالب من جهة العباد لا دين الزكاة والكفارات ونحوها لأن هذه الديون تسقط بالموت فلا يلزم الورثة أداؤها إلا إذا أوصى بها أو تبرعوا بها هم من عندهم .
( ثم وصيته ) أي ثم تنفذ وصيته من ثلث ما بقي بعد التجهيز والدين لما تلونا .
( ثم يقسم الباقي بين ورثته ، وهم ذو فرض أي ذو سهم مقدر ) لما تلونا .
ولقوله عليه الصلاة والسلام " ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت فلأولى عصبة ذكر " وفي رواية " فلأولى رجل ذكر " وذلك على سبيل التأكيد كقوله تعالى " تلك عشرة كاملة " .
قال المالكية :الحقوق المتعلقة بالتركة خمسة باستقراء الفقهاء أشار لها على الترتيب بقوله : ( يبدأ من تركة الميت ) : من رأس المال ولو أتي على جميع التركة ( بحق تعلق بعين ) : أي ذات ( كمرهون ) في دين فيقدم وجوبا لتعلق حق المرتهن به على مؤن التجهيز ( و ) كعبد ( جان ) : غير مرهون فإنه في مرتبة المرهون ، أما لو كان مرهونا في دين وجنى فقد تعلق به حقان ، وتقدم الجناية على الرهن كما أشار له في باب الرهن بقوله : وإن ثبتت - أي جناية - الرهن فإن أسلمه مرتهنه فللمجني عليه بماله الخ .
وأدخلت الكاف زكاة الحرث والماشية في عام موته حيث مات بعد وجوبها وأم الولد وسلعة المفلس بالفعل .
( فمؤن تجهيزه ) : تقدم على الديون من كفن وغسل وحمل وغير ذلك ( بالمعروف ) : بما يناسب حاله من فقر وغنى ، وضمن من أسرف .
وكذلك يقدم مؤن تجهيز عبده على دين السيد بأن مات سيد وعبده ، فإن لم يكن إلا كفن واحد قدم الرقيق ؛ لأنه لا حق له في بيت المال .
( فقضاء دينه ) : يقدم من رأس المال على الوصايا أي دينه الذي عليه لآدمي ، كان بضامن أم لا ؛ لأنه يحل بموت المضمون .
ثم هدي تمتع أوصى به أم لا .
ثم زكاة فطر فرط فيها .
وكفارات أشهد في صحته أنهما بذمته أو أوصى فقط .
ومثل كفارات أشهد بها : زكاة عين حلت وأوصى بها .
( فوصاياه ) من ثلث الباقي بعد ما تقدم .
( ثم الباقي ) بعد الوصايا يكون ( لوارثه ) فرضا أو تعصيبا ، أو هما .
قال الشافعية : يتعلق بتركة الميت خمسة حقوق، مرتب بعضها على بعض، وهذه الحقوق هي:
1 - الديون المتعلقة بأعيان من التركة، قبل الوفاة: مثل الرهن، فمن رهن شيئاً وسلمه، ولم يترك غيره، ثم مات، فدين المرتهن مقدم على كل شئ، حتى تجهيز الميت وتكفينه.
وكذلك، من اشترى شيئاً، ولم يقبضه ولم يدفع ثمنه، ثم مات، فالبائع أحق به من تجهيز الميت وتكفينه. ومثل البيع والرهن، حق الزكاة، أي المال الذي وجبت فيه الزكاة، لأنه كالمرهون بالزكاة. فيقدم على مؤن التجهيز.
2 - تجهيز الميت: فإن تجهيزه مقدم على بقية الديون، وعلى إنفاذ الوصية، وعلى حق الورثة، لأنه من الأشياء الضرورية، التي تتعلق بحق الميت كإنسان له كرامته لتحتم مواراته في لحده.
والتجهيز المطلوب هو كل ما ينفق على الميت منذ وفاته إلى أن يوارى في لحده، من غير سرف ولا تقتير، ضمن دائرة الأمور المشروعة.
ويُلحق بتجهيز الميت، تجهيز من تلزمه نفقته من زوجة وولد، فلو ماتت زوجته قبل موته بدقائق، أو مات ولده الصغير كذلك، وجب أن يكفنا ويجهزا من ماله، كما كان يجب أن ينفق عليهما في حال حياتهما.
فإن كان الميت فقيراً، لا يملك ما يجهز به، فنفقة تجهيزه على من عليه نفقته في حال الحياة، كما قلنا في الصغير، والزوجة، فإن تعذر ذلك، ففي بيت مال المسلمين، فإن تعذر، فعلى أغنياء المسلمين.
3 - الديون المتعلقة في ذمة الميت: فإنها مؤخرة عن مؤن التجهيز، ومقدمة على الوصية، وحق الورثة، سواء كانت هذه الديون من حق الله تعالى، كالزكاة، والنذور والكفارات، أو كانت من حقوق العباد، مثل القرض، وغيره.
غير أن حق الله تعالى مقدم في الوفاء على حق العباد.
4 - الوصية من ثلث ما بقي من ماله: وهي مؤخرة عن الدين بالإجماع، ومقدمه على حق الورثة.
وتقديمها في القرآن، كما في قوله تعالى: {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11]، لا يدل على وجوب تقديمها على الدين، بل قدمت للعناية بها، وحث الورثة على إنفاذها، لأنها مظنة التساهل من قبل الورثة، باعتبارها تبرعاً من مورثهم، قد يرون فيها مزاحمة لحقهم في الميراث.قبل الوصية، عن علي رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بالدين قبل الوصية، وأنتم تقرؤون الوصية قبل الدين.
5 - الإرث: وهو آخر الحقوق المتعلقة بالتركة، ويقسم بين أفراد الورثة حسب أنصبائهم.
وقال الحنابلة : ذكروا أن التركة يتعلق بها خمسة أشياء: 
الأول: مئونة التجهيز، فإذا مات أخذ من تركته مئونة تجهيزه حتى يجهز، أي: ثمن الكفن، وأجرة الحفر، وما أشبه ذلك.
الثاني: الديون التي فيها رهن، المتعلقة بعين التركة، كشاة مرهونة فيأخذها الراهن أو يبيعها، وغير ذلك مما له أمثلة كثيرة.
الثالث: الديون المطلقة، فلابد من إيفائها قبل قسمة التركة.
الرابع: الوصية.
الخامس: تقسيم التركة على الورثة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق